کد مطلب:370274 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:472

الفصل الثالث میزات.. وخصائص












الصفحة 136












الصفحة 137


الغباء.. والسطحیة:


وبعد.. فإن نظرة فاحصة على بعض ما كان للخوارج من ممیزات وخصائص؛ تجعلنا نخرج بحقیقة: أنهم كانوا، حتى بعد مرور عشرات بل مئات السنین لایزالون أعراباً جفاةً، یهیمن علیهم الجهل. والأمیة والقسوة، ومن سماتهم الغلظة، والجفاء، ویتمیزون بسذاجة وسطحیة، جعلتهم یفقدون المناعة الكافیة فی مقابل خصومهم، الذین وُجِد فیهم من یعرف كیف یستغل هذه الجهالة وتلك السذاجة، ویستفید من تلكم السطحیة؛ كحربة ماضیة، وسیف قاطع ضدهم، فترى المهلب كان یكثر من الأكاذیب، التی تفرق كلمتهم، وتشتت شملهم حتى عرف بذلك(1) وحتى لیقول الزمخشری:


«راح یكذب، لقب المهلب، لأنه كان یضع الحدیث أیام «الخوارج»، فإذا رأوه قالوا: راح یكذب.


قال وائلة السدوسی:


 









أعور مشنوء یخالف قوله كما وصفوه: إنه راح یكذب (2)



____________



(1) راجع: ترجمة المهلب فی: وفیات الأعیان ج2 ص146 وفی تهذیب التهذیب ج10 ص330 والكامل للمبرد ج3 ص319/318 والإصابة ج3 ـ ص36 وتقریب التهذیب ج2 ص280.


(2) ربیع الأبرار ج2 ص369/370 وراجع: فجر الإسلام ص261 عن شرح نهج البلاغة


=>













الصفحة 138


نعم.. هذا هو حالهم، مع ان من شأن المواجهة الطویلة مع الخصوم أن تصقل الفكر العقائدی لأیة فرقة كانت، وتؤثر على سلوكها، وأخلاقیاتها، وتركز فیها ـ ولو شكلیاً ـ حالة من النضج التنظیمی، والسلوكی، والفكری والسیاسی، وإدراك المناورات السیاسیة.. ولكن «الخوارج» لم یدخلوا تحت هذه القاعدة؛ حیث إنهم، رغم تطاول الزمن علیهم، ومرور عشرات بل مئات السنین على ظهورهم، لم یسجلوا تقدماً یذكر فی أی من هذه المجالات..


لا جامعة فكریة أو عقائدیة:


ومن جهة أخرى.. فإن من المعلوم والواضح: أن «الخوارج» لم تكن تجمعهم أصالة فكریة عقائدیة، لعدة أسباب وعوامل، نذكر منها:


1ـ إنهم كانوا شكاكاً.


2ـ إنهم كانوا أصحاب أطماع دنیویة، وإن كانت ملونة بلون الإیمان وملبسة بلباس الدین.


3ـ إن الشیطان قد غرهم، وزین لهم المعاصی.


4ـ إن الشیطان قد زین لهم أنهم ظاهرون ومنتصرون.


5ـ إنهم محكومون لعصبیاتهم القبلیة، ولمفاهیمهم الجاهلیة.


6ـ إنهم خیابون عیابون، حسبما روی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام).


7ـ إنهم كانوا أخلاطاً من الناس، لا تجمعهم رابطة، ولا یهیمن علیهم سلطان.


____________



<=


للمعتزلی ج1 ص386 ومصادر ذلك كثیرة، ولذا فلا حاجة إلى إیرادها.













الصفحة 139


8ـ إن مواقفهم كانت عفویة، ومرتجلة، لم یكن یسبقها تخطیط دقیق، لأنها كانت فی الأكثر استجابة لحالات من الحنق والحقد، الذی أعمى بصائرهم قبل أبصارهم.


9ـ ثم هناك حالة الجفاء والغلظة التی كانت تقلل من فرص التفاهم والانسجام فیما بینهم.


10ـ یضاف إلى ذلك جهلهم الذریع، وأمیتهم القاتلة، فلم یكونوا یستضیئون بنور العلم، ولا یستندون إلى ركن وثیق.


وهذا ما جعل الشعارات البراقة تستهویهم، وتدفع بهم إلى مزید من التصلب والجرأة. وإن كانوا لا یفقهون كثیراً مما ترمی إلیه تلك الشعارات، ولیس لدیهم القدرة على التعمق فیها، ولا على مناقشتها.


ویكفی أن نذكر: أنه قد «ظل صوت التحكیم یتردد فی سماء معارك «الخوارج»، ویردده شعراؤهم، بعد أن استحوذ على عقولهم ومشاعرهم طوال العصر الأموی. فكانوا یشحذون به حماس عساكرهم، ویلهبون عواطف أصحابهم فی كل موقعة، وعند كل لقاء»(1).


ولكن، هل درسوا هذا الشعار؟!


وهل فهموا ما قاله علی (علیه السلام) وأصحابه لهم حوله؟!


وهل أعدوا أجوبة على تلك النقوض التی أوردوها علیهم..


هذا ما لم یكن أبداً.


فكل تلك الأمور، وسواها مما لم نذكر تجعلنا نفهم بعمق حقیقة أنه لم یكن یجمعهم جامع جامع فكری، یحقق لهم أدنى حالة من الانسجام


____________



([1]) الخوارج فی العصر الأموی ص257.













الصفحة 140


فی مفاهیمهم، ولا كان یهیمن علیهم أصالة فكریة أو عقائدیة تفید فی صقل شخصیتهم الإنسانیة الفاعلة والمؤثرة فی صیاغة حیاة اجتماعیة أو دینیة أو سیاسیة معقولة أو مقبولة.


بل إن ملاحظة تركیبهم، وخصائصهم، وواقعهم لا تدع مجالاً للشك. فی أنه لم یكن ثمة تقارب فی الأغراض والمآرب التی كانوا یتوخون تحقیقها فی مجمل مواقفهم وحركاتهم.


ولأجل ذلك، ثم بسبب التدنی الفاضح فی مستوى وعیهم، كان من الطبیعی أن تكثر الانقسامات بینهم، فسرعان ما یتفرقون شیعاً، وأحزاباً لأتفه الأسباب(1).


حتى إنهم حینما حكّموا فی صفین سأل عنهم أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فقیل له: «القرّاء.


فقال: بل هم الخیابون العیابون»(2).


وحینما كتب نافع إلى ابن إباض، وابن الصفار یدعوهما ومن معهما إلى مقالته، لم یقرأ ابن الصفار كتابه على أصحابه، خشیة أن یتفرقوا، ویختلفوا. فلما قرأه ابن إباض وقع الخلاف بینه وبین ابن صفار(3).


ویقول آخر: «لم تكن للخوارج قط ـ كما رأینا ـ أیة وحدة حقیقیة فی أعمالهم السیاسیة، أو العسكریة. ولم تكن لهم كذلك مجموعة متسقة من المبادئ. وتظهر لنا مذاهبهم وكأنها آراء خاصة(4).


____________



(1) فجر الإسلام ص261 وراجع ص259 وراجع: ضحى الإسلام ج3 ص333.


(2) المصنف للصنعانی ج10 ص150.


(3) الكامل فی التاریخ ج4 ص168 والعقود الفضیة ص123.


(4) دائرة المعارف الإسلامیة ج8 ص474.













الصفحة 141


ویقول البعض: عرف «الخوارج» بعصبیتهم العربیة، فقد انتشر مذهبهم فی القبائل الربعیة التی كان لها نزاع مع القبائل المضریة، وكان معظمهم من عرب البادیة الربعیین. وقد عرفوا بالتعصب والحماسة، والإندفاع السریع فی آرائهم. كما عرفوا بتمسكهم بظواهر الألفاظ، لا یتجاوزونها إلى المرمى والموضوع، وعرف عن «الخوارج» أیضاً التشدید فی العبادة، وبالإخلاص الشدید لعقیدتهم، والشجاعة فی حروبهم، وكانوا كثیراً ما یختلفون. ولعل هذا هو السبب فی إخفاقهم فی كثیر من المعارك رغم شجاعتهم»(1).


أضف إلى ذلك: «.. أن «الخوارج» لم یكونوا یحتملون السلطة علیهم مدة طویلة»(2).


مواصفات «الخوارج» بنظر البعض:


ومهما یكن من أمر، فإننا نجد: أن البعض قد أجمل بعض خصائصهم وصفاتهم بقوله: «كان فی جملة الخوارج لدد، واحتجاج، على كثرة خطبائهم وشعرائهم، ونفاذ بصیرتهم، وتوطین أنفسهم على الموت»(3).


وقال آخر: «فهم كثیرو الخلاف على الرؤساء، كثیرو التفرق شیعاً وأحزاباً، محدودو النظر، ضیقو الفكر فی نظرهم إلى مخالفیهم. وهم مع ذلك شجعان إلى أقصى حدود الشجاعة، صرحاء فی أقوالهم وأفعالهم..


إلى أن قال: ثم هم لغلبة بداوتهم أبعد عن التطور الدینی والعلمی،


____________



(1) الخوارج عقیدة، وفكراً، وفلسفة ص54و55 بتصرف وتلخیص.


(2) الخوارج والشیعة ص72.


(3) الكامل فی الأدب ج3 ص220.













الصفحة 142


والاجتماعی..


إلى أن قال: وظلت حیاتهم فی معیشتهم، ونظرتهم للحیاة، وحروبهم، ونحو ذلك حیاة بسیطة بدویة، لم تتغیر كثیراًَ بتغیر الزمان»(1).


ونقول: إننا لا نوافق على بعض ما ذكروه، ونذكر على سبیل المثال ما یلی:


1ـ قول المبرد: كان فی جملة الخوارج لدد واحتجاج.. لا یصح إذ أن هذا اللدد والاحتجاج قد ظهر مدى ضعفه حین اثار أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وابن عباس وصعصعة وغیرهم القضایا معهم، وحاججوهم فیها.


إلا أن یكون مراده: أن حجتهم على الأمویین كانت ظاهرة وموفقة وقویة.


ولكنه أمر غیر صالح للتنویه به، فإن حال الأمویین فی الفساد والإفساد أظهر من الشمس وأبین من الأمس، وإن أی إنسان یتهیأ له أن یفصح عن مراده فی شأنهم، فإنه سیكون ظاهر الحجة علیهم، ولسوف یخصمهم، ویثبت فساد طریقتهم، وعوارها.


على أن ما أثر عن «الخوارج» من خطابة وشعر واحتجاج، لا یحمل فی طیاته معانی متمیزة، ولا یعبر عن براعة خاصة، تنتج لهم الحجج والمعانی، وتظهر لهم المعانی القرآنیة، أو تشیر إلى تعمق مّا فی أمور الفقه، وفی حقائق الدین والإیمان، أو التاریخ أو ما إلى ذلك.


بل هی مجرد عفویة وبداهة الإنسان العربی، وارتجال البدوی، الذی لا یحمّل كلامه شیئاً لافتاً من المعارف واللطائف، بل تجد فیه بعض


____________



(1) ضحى الإسلام ج3 ص333و332 وراجع: فجر الإسلام ص259 و261 و263 و264.













الصفحة 143


الجمالیات العفویة التی تختزنها حیاة أعراب البادیة، أو حماس رعاع لا عهد لهم بالمكارم، والمآثر.. قد وجدوا الجرأة على المباهاة ببطولات صنعها لهم حب المقامرة، القائم على أساس تبییت الخصوم، وتوجیه ضربات خاطفة، یعقبها الإمعان فی الهرب، والتحاشی للاشتباك المباشر، الذی غالباً ما ینتج لهم مر الهزیمة، والخیبة الألیمة.


2ـ وحدیث المبرد: عن نفاذ بصیرتهم، وعن توطینهم أنفسهم على الموت، وحدیث غیره عن شجاعتهم هو الآخر حدیث مبالغ فیه، أو غیر مفهوم على حقیقته على الأقل، فأین كانت شجاعتهم وقد كانوا ـ فیما یذكره أكثر المؤرخین ـ أربعة آلاف فارس فی النهروان. ویقابلهم مثلهم تقریباً فی جیش أمیر المؤمنین (علیه السلام) الذی كان غیر راغب كثیراً فی مواجهتهم، وهم كانوا مستمیتین؟!.


نعم.. أین كانت هذه البصیرة، وتلك الشجاعة، وذلك التوطین آنئذ؟! وكیف قتلوا بأجمعهم، ولم ینج منهم عشرة، ولم یستشهد من أصحاب علی (علیه السلام) عشرة؟! وقد أشرنا إلى ذلك فیما سبق، وسیأتی إن شاء الله بعض الحدیث عن شجاعتهم المزعومة فی فصل مستقل.


3ـ وعن نفاذ بصیرتهم نقول: قد تقدم بما لامزید علیه: أنهم فی حربهم لأمیر المؤمنین (علیه السلام) كانوا شكاكاً، لا یملكون حجة، ولا یهتدون سبیلاً.


4ـ وأما عن صراحتهم إلى أقصى حدود الصراحة، فقد تقدم كیف أنهم یتسترون على علاقة أحد زعمائهم بامرأة حداد.. وقد ذكرنا فی هذا الكتاب الشیء الكثیر مما یدل على ممارساتهم للتقیة إلى حدود












الصفحة 144


مشینة. وسیرة عمران بن حطان خیر شاهد على ما نقول. وقد ذكرنا فی هذا الكتاب بعضاً من فصولها..


بداوة «الخوارج»:


أما فلهوزن فیحاول هو وغیره إنكار بداوتهم، واعتبار هجرتهم إلى المدن كافیة فی نزع هذه الصفة عنهم، وصیرورتهم حضریین(1).


ولكنه غفل عن أن ذلك بمجرده لا یكفی فی تغییر طبیعتهم وعقلیتهم، ما لم یصل إلى حدّ التفاعل والانصهار فی المجتمع الجدید، ولیتبدل جهلهم إلى علم، وقسوتهم وشدتهم بالمرونة واللین، إلى غیر ذلك مما لا مجال لذكره..


التقلید والمحاكاة:


هذا.. ولم یكن للخوارج تلك الأصالة الراسخة أو الاستقلالیة الفكریة، بل كانوا یتخذون سبیل التقلید والمحاكاة حتى لعدوهم..


یقول ابن رسته: «أول من حذف الدواب یزدجرد، حین ورد أصبهان قاصداً لخراسان مرّ بمرج وكانت الدواب ترطَّم فیه، وتتعلق أذنابها بالطین فحذفها، ثم حذف المهلب بن أبی صفرة فی محاربة «الخوارج»، فنظرت إلیه «الخوارج»، وحذفوا أیضاً دوابهم»(2).


وقد قدمنا: كیف أنهم كانوا یحاولون تقلید ومحاكاة علی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی أحواله وأعماله، فتجدهم یصدرون التعلیمات بعدم


____________



(1) راجع: الخوارج والشیعة ص33 وقضایا فی التاریخ الإسلامی.


(2) الأعلاق النفیسة ص199.













الصفحة 145


البدأة بالقتال، مع أنهم فی عامة حروبهم، وجل انتصاراتهم قد اعتمدوا فیها على عنصر البیات للعدو، ومهاجمة جنده، وهم غارون، ثم یعمدون إلى الفرار إلى جهة لا یتیسر معرفتها أو الوصول إلیها بالسرعة المطلوبة، ولاسیما لجیش منظم یحمل أثقالاً مرهقة، تعجزه عن اللحاق بعصابات من الناس؛ تعمل على قاعدة اضرب واهرب. ولهم أیضاً حالات أخرى من التقلید والمحاكاة له (علیه السلام) فی أمور لا تخرج فی مضمونها عن هذا السیاق الذی ذكرناه.












الصفحة 146












الصفحة 147